عناوین:

الفخر السلبي: متباهون بالماضي وأقدامهم في مزبلة الحاضر

6/21/2021 6:27:18 PM
2132 مشاهدة
عدنان أبوزيد
+ -

كانت المرائية منذ التاريخ الأول للبشرية، اعلانا للتفاخر الشكلي الذي لا يرتبط بالإنجاز الحقيقي، بل بالادعاء والتباهي، وأكثر من ذلك فهو ينسب إليه إنجازات الآخرين.
الجديد في هذه الإشكالية الاجتماعية، انها تصبح أكثر انتشارا وتأثيرا في عصر التواصل والاعلام الجديد، الذي يقوده الأفراد أنفسهم، بعيدا عن أصول النشر، وأساسات الكتابة، عبر منصات التدوين والتواصل.
يمكن إدراك الكم الهائل من مشاهد المرائية في إرجاع فضل الكثير من إنجازات العالم، الى العرب، والمسلمين، والعكس صحيح أيضا، حين ينتقص من انجازاتهم في الحضارة، بدوافع الشعور بالدونية.
هناك افتخار فج بالنفس، وإظهار الجاه والحسب والنسب، وثمة من ينشر صورا ومشاهد لنفسه وهو يساعد فقيرا، ويقدم له الأكل والمال. وتحتفي صور الاعلام الجديد، بطقوس العبادة في شوارع المدن الغربية، وفي محطات الباصات، فيما الأجدر بأصحابها، تأديتها في أماكنها المخصصة لها. ولا يقل هذا، حراجة على السلم الاجتماعي، من أفراد يعزفون الموسيقى عند أبواب مسجد، أو يضعون رؤوس الخنازير عند بواباتها. وكل ذلك، مرائية عقائدية مكشوفة.
تنزلق المرائية بسبب الإعلام التواصلي الذي يتيح النشر اللحظي، الى القادة والفرق والمنظمات، ليظهروا أيضا بشاكلة الإنجازات الإعلانية، وتأدية الأعمال اليومية، التي هي من صميم واجبهم في الأصل، ويتلقون عليها أجرا مجزيا.
يجعل الفرد من نفسه محور اهتمام الآخرين، لينحسب ذلك على السلوك الجمعي الذي بات يحفل بالكثير من عدم الثقة المتبادلة، والافلاس الأخلاقي الذي يقوم به المتباهون.
مع ذلك، فإن العواقب لمثل هذا الاختلال ليست خطيرة دائما، بل تكون في بعض الأحيان إيجابية لأنها تكشف أولئك المتسترين خلف الكذب، وكيف انهم "يقولون شيئا لكنهم يفعلون شيئا آخر".
ان النزاهة السلوكية في العمل والحياة اليومية، يجب ان تبتعد عن المنفعة الأخلاقية غير المستحقة التي يرسمها النفاق، لكن ذلك وللأسف، يفوت على بعض الجمهور الذي يتفاعل مع الاختلال، ويقع في الارتباك المفاهيمي الذي يسوقه الفعل الكلامي المرائي، حيث أصحابه يفشلون في ممارسة ما يعظون به لاسيما حين يعتبرون انفسهم انموذجا للقيادة وتمثيل الناس في المحافل.
التباهي في وسائل التواصل الاجتماعي يتوسع الى الأكاديميين الذين ينشرون حتى حفلات مشاركاتهم في الأطاريح وحفلاتها، من دون نص عن جدوى الاطروحة وخلاصة قصيرة لفحواها، تعميما للفائدة، فيما تزدحم صورة الجلسة على الصفحات.
وفي العراق ودول عربية ينشر أفراد في الجيش والأمن، صورهم بالرتب العسكرية وأماكن العمل، رغم ان ذلك غير جائز، قانونا.
كما تسرق الوثائق والكتب الرسمية من المؤسسات الرسمية وتنشر في صفحات التواصل في خرق واضح لأسرار الدولة، والتباهي بهذا "المنجز الدعائي".
لسوء الحظ، فان المتباهين الذين يصفون أنفسهم بأنهم حققوا إنجازات عظيمة، لا يتركون للآخرين فرصة لنقد أعمالهم.
يتحول التواصل الاجتماعي الى حوادث وأحاديث عن المفاخر، لا سيما وان هناك الكثير من القصص الشخصية التي تثير المشاعر السلبية من دون ان يكون لها غرض مفيد وتثقيفي.

البوم الصور