خطاب الممثلة الأممية في العراق: هلوسة طوعية مفتعلة أم هذيان؟
6/10/2021 4:30:23 PM
1621 مشاهدة
أمير المفرجي
+
-
تتوالى الأكاذيب ويستمر خطاب ممثلة الأمم المتحدة الممل، التي ترى أن عملية انتخابية مع «مشاركة حرة وواسعة» يمكن أن تقود العراق إلى «مستقبل آمن ومزدهر». على الرغم من غياب أبسط القواعد الدستورية للعملية السياسية، المتمثلة في كيفية تنظيم المشاركة الحرة، من خلال إتاحة الفرص للتيارات الوطنية المغيبة، وعدم حصر المشاركة بأحزاب الدين السياسي الطائفي، ناهيك من غياب أبسط مقومات المشاركة الديمقراطية، نتيجة لاستمرار عمليات الاغتيالات ووسائل الترهيب وكم الأفواه التي تمارسها ميليشيات الأحزاب المتسلطة على رقاب العراقيين منذ 2003.
وعلى الرغم من اقتراب موعد الانتخابات، وفي الوقت الذي تتجاهل الحكومة، مطالب الإصلاحات، واستمرار جرائم قمع الميليشيات للتيار الوطني، تستمر مسرحية (ضرورة المشاركة بالانتخابات مع وجوب الإصلاحات) التي تجمع أحزاب السلطة الحاكمة والمبعوثة الأممية، لتخدير العراقيين، بعد إيهامهم بأهمية المشاركة، سعيا لإنجاح عملية إعادة تدوير العملية السياسية الطائفية، بالأحزاب والنوايا نفسها، مع تغيير بعض الوجوه.
وكالعادة وبطريقة ذر الرماد في العيون، تستمر هلوسة جينين هينيس بلاسخارت، الممثلة الخاصة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) عبر مؤتمرها الأخير من بغـداد، محاولة إقناع العراقيين بأهمية دعم الممارسة الديمقراطية الأساسية التي ترعاها هي شخصيا، عبر صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وتحديد اختيار الناخب والمرشح، كونها ترى هذه الانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الأول/ أكتوبر، «ملك العراقيين» على الرغم من الاختلاف الشاسع لرؤيتها الشخصية مع الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، الذي فرضته الأحداث، والسماح في استعمال أحزاب الدين السياسي لثروات العراقيين المنهوبة، لوضع اليد على نتائج الانتخابات المقبلة، وهذا ما قد يحول الانتخابات المقبلة، كما كانت في السابق إلى غنيمة جديدة، ليس للعراق ولا للعراقيين ناقة فيها ولا جمل، بعد أن استغل الفكر المذهبي لرجال الدين مشاعر المواطنين، من دون أن تقدم نتائج الانتخابات المزورة التي أوصلتهم للسلطة شيئا يذكر لهم. من هنا تظهر رؤية ممثلة الأمم المتحدة الأخيرة، مدى انفصامها عن رؤية العراقيين لبلدهم المغلوب على أمره، وفقدانها الإحساس بالواقع العراقي، الذي تسيطر عليه القناعات الخاطئة، التي مازالت تلتزم بها، عن طريق ارتباط أفكارها الوهمية بالخيال والمعتقدات، التي تراها على أنها الحقيقة والواقع، الذي تراه مناسبا لتلقينه، ومن ثم قبوله من قبل أبناء هذا البلد. في الوقت الذي لا يزال النظام السياسي الحالي وأجهزته في قبضة أمراء الأحزاب والميليشيات، التي مازالت تمارس الضغوط السياسية والترهيب، واستعمال المال العام للبدء في تزوير الانتخابات المقبلة، سعيا لاستمرار وتثبيت وجودها في السلطة.
كما أن استمرار ارتفاع معدلات البطالة والفساد، وغياب الخدمات العامة، كالكهرباء والماء، سيؤدي لا محالة إلى استمرار اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام السياسي القائم والعملية السياسية، التي يراد منها الاستمرار والبقاء عن طريق تجييرها بانتخابات مبكرة، هدفها إعادة تدوير، وفرض نظام سياسي طائفي لا يمثل العراقيين، ولا يتناسب مع تاريخه السياسي والحضاري، ولا يتماشى مع التطور الحاصل في المجتمعات المتحضرة، التي تتخيلها بلاسخارت، التي أوكلتها الأسرة الدولية دور إرساء وتطبيق الديمقراطية في العراق.
يبقى السؤال المهم هو في سر هذا التناقض الواضح بين رؤية جينين هينيس بلاسخارت، والواقع العراقي المتمثل في غياب الأسس الطبيعية للعملية الديمقراطية، واستمرار الاغتيالات والخطف التخويف، ناهيك من حالة إفلات القتلة واللصوص من العقاب، الذي مازال يدفع مرتكبي هذه الجرائم للاستمرار، والقدرة في تزوير الانتخابات وتقويض الدولة. وهذا ما يدفع بالكثيرين إلى السؤال عما إذا كانت هذه التصريحات، مجرد هلوسة مفتعلة وطوعية، هدفها إصرار الدول العظمى ومن يمثلها في الأمم المتحدة، على فرض نظام سياسي طائفي هزيل، من خلال فرض تخيلات غرضها إيهام العراقي المتمسك بهويته الوطنية، بتصديق والقبول بالواقع المفروض الجديد؟ أم هي حالة من الهذيان والاضطراب لشخصية فقدت الاتصال بالواقع، تدرك وتقول أشياء لا تتفق مع الواقع، أو كل ما هو واضح للإنسان العادي، وما يراه ويعيشه الآخرون.
وبغض النظر عن أي من الحالتين يمكن تفسيرها وقراءتها في موقف ممثلة الأمم المتحدة، يبقى عامل الهذيان وفقدان الإحساس بالواقع، الذي نلمسه في قناعات المسؤولة الأممية الخاطئة، المتعمدة أو غير المتعمدة، يبدو واضحا أن الاعتقاد الخيالي بانتخابات نزيهة بقيادة وطنية عراقية في ظل الوقع العراقي الحالي، هو ضرب من الخيال، يراد اعتباره حقيقة، على الرغم من فقدانه للمنطق السياسي والواقع الاجتماعي، ولأن الإثبات المنطقي والاجتماعي غير قادر على تعديلهما. لا شك بأن قدرة ممثلة الأمم المتحدة في مساعدة العراق في إطار حل المشاكل اللوجستية والفنية، سعيا لإنجاح الانتخابات، وليس في إمكانية فرض استمرار عملية المحاصصة الطائفية، وغض النظر عن الإشكالية السياسية والعقائدية، التي تحملها أحزاب السلطة التي وضعت مصلحتها المذهبية والفئوية فوق المصلحة المشتركة العليا. إن الواقع العراقي الحالي، لا يسمح ولا يتيح الفرص للعديد من التيارات الوطنية المستقلة للمشاركة في الانتخابات، للوصول إلى بناء دولة المواطنة وإعادة بناء وبسط سلطة القانون وهيبة الدولة، وتمتين أسس الوحدة الوطنية، إضافة إلى محاربة الفساد. وليس في طريقة ذر الرماد في العيون، التي لا تخدم العراق والعراقيين ولا تليق بشخصية منصب بلاسخارت وهيبة وسمعة الأمم المتحدة في العراق.